Monday, June 15, 2009

لراحة تسكن القلب


لراحة تسكن القلب..

في الأيام القليلة الماضية شغلني التفكير في معني ليس بجديد.. ولكني استشعرت قوة تأثيره في حياتنا.. هو طاعة وقربى لله.. نعرفه جميعاً ونسمع به.. إلا أننا بالكاد نتوقف عنده ونراجع أنفسنا لنعرف "هل حققناه في حياتنا؟".. ..
تساؤل..
هل حصل واستيقظت من نومك تحمل هموم الدنيا جميعها.. ومشاكل حياتك تطاردك حتى أثناء نومك.. فاستيقظت مرهق الذهن كأن لم يغمض لك جفن؟؟ ولسان حالك يقول: كيف سأعيش مع كل هذه المشاكل فوق رأسي؟؟
حسنا.. تساؤل آخر..
هل حصل وأن قُمت من نومك وشعرت براحة عجيبة وسعادة تغمر قلبك.. وقمت من نومك في خفة وكأنك قد نمت يوماً كاملاً والحقيقة أنك لم تنم سوى ساعات قليلة؟؟ وتشعر أنك إنسان خالٍ من المشاكل وأنك أسعد أهل الأرض.. ولسان حالك يقول: ما أجمل الحياة فأنا سعيد بكل ما يحصل معي.. وسأتجاوز كل عقباتي..
لم تقم من النوم لتجد مشاكلك في الحياة قد أنتهت.. فلم يصرف لك رئيسك في العمل مكافأة.. ولم تتوقف زوجتك عن مطالبتك بمصاريف الأولاد.. ولم يتوقف زوجك وأولادك عن الطلبات.. ولم يكف ابنك الصغير عن البكاء طوال الليل.. وعلى مستوى أكبر.. لم تنفرِج الأزمة الإقتصادية عن العالم.. ولم يتوحد المسلمين.. ولم تُحرر فلسطين..
ومع هذا كله تصحو وأنت ترى الحياة مشرقة.. وتحمل خفة في الروح.. ووجهك منبسط.. ويحمل قلبك الكثير من الرضا..
الرضا.. نعم هذا هو المعنى الذي أردت أن أتحدث عنه..
فما هو الرضا؟؟
الرضا هو سكون في القلب وراحة وطمأنينة تسكنه وتُشعره بالسعادة..
هو يقين يملأ الإنسان بأن الله قد اختار الأفضل فيرضى به..
هو تقديرٌ لنعم الله وصبرٌ على المحن.. وتقبل لكل ما يقدُره الله..
باختصار.. الرضا أن تنظر لنصف الكوب الممتليء في كل وقت..
يخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد مسلم يقول حين يُصبح وحين يُمسي ثلاث مرات : رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، إلا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة".. رواه الإمام احمد..
هل أنت راضٍ عن الله؟؟ نعم.. لم أُخطيء الكتابة.. فأنت تقول: "رضيت بالله رباً".. فهل أنت حقاً راض؟؟ فهذه الكلمات تعني أنك برضاك به رباً.. فأنت ترضى بكل ما قسمه لك ورزقك إياه أو حرمك منه أو أخره عليك..
وحين يرضى الإنسان عن ربه يكافئه الله بالرضا عنه.. "رضي الله عنهم ورضوا عنه.." التوبة 100..
ومن حُرم الرضا فهو في قلق واضطراب وتضجر وعذاب.. خصوصاً عند الإبتلاء أو المصيبة.. فيجد حياته قد اسودت وأظلمت في وجهه.. وتضيق به الأرض بما رحُبت.. وتتملكه وسوسة الشيطان.. فالإنسان إذا سخِط على قضاء الله فلا شيء له إلا سخط من ربه.. "فمن رضي فله الرضا.. ومن سخط فله السخط"رواه الترمذي..
هل السعادة في امتلاك ما يُرضيك أم الرضا بما تملك؟؟
قد يظن البعض أن الرضا يقتصر على حجم الأموال التي نملك.. لكن الرضا لا يقتصر على ذلك فحسب.. فنحن نسعى جاهدين للحصول على أشياء كثيرة في الحياة.. ونُعلق سعادتنا على تحقق هذه الأشياء.. فتجد أحدنا يقول:
- سأشعر بالسعادة عندما أنتهي من المدرسة وأدخل الجامعة..
- سأشعر بالسعادة عندما أُنهي دراستي الجامعية..
- سأشعر بالسعادة ببداية الإجازة..
- سأشعر بالسعادة إذا وجدت الوظيفة المناسبة..
- سأشعر بالسعادة إذا تمكنت من ادخار مبلغ (....................)..
- سأشعر بالسعادة إذا تزوجت هذه المرأة (هذا الرجل)..
- سأشعر بالسعادة إذا اشتريت هذا المنزل\ هذه الأرض..
- سأشعر بالسعادة إذا رُزقت بطفل \ ببنت \ بولد..
- سأشعر بالسعادة إذا خسرت وزناً \ ازددت وزناً..
والقائمة كبيرة لا ولن تنتهي.. ودعوني أهمس لكم.. لن نشعر بالسعادة حتى لو حققنا هذه الأمور جميعاً.. فدائماً سيكون هناك أمر آخر نرغب في الحصول عليه وتحقيقه.. وسيبقى الشعور بالتعاسة أو بالأرق ملازماً لنا حتى نُحقق ما نُريد.. وبعدها سيظهر هدف آخر نرغب في تحقيقه.. ثم هدف آخر.. وهكذا..
السعادة.. والرضا
السعادة احساس لذيذ بالطمأنينة والسكينة.. والرضا بكل ما قدره الله علينا من أولويات السعادة ومقوماتها.. وبعد الرضا تكمن كل مقومات السعادة الأخرى من مال وزينه وجميع مُتع الدنيا الأخرى.. فشعورنا بالرضا عن حياتنا كلها بما فيها من خير وشر يخلق بداخلنا شعور بالسعادة والراحة.. فقد قال أحد الحكماء: من عَلِم أن الذي قُضِيَ عليه لم يكن ليُخطِئه فقد استراح من الجزع.. استراح من الشعور بالتعاسة والقلق والخوف الذي يستبد بالقلب لعدم تحقيقه مراده.. وانظر إلى ذلك العابد الذي قال: علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمئن قلبي..
فإذا دخل الرضا نفس أحدنا فإنه يشعر بالسعادة مُصفاه.. السعادة في أنقى وأجمل صورها..
فلتكن الدنيا في يدك لا في قلبك..
اذن السعادة ليست في تحقيق رغباتنا.. إن المحور الأهم للسعادة هو الرضا والقناعة وطمأنينة النفس.. فمن يمتلك الدنيا جميعها ولا يملأ قلبه الرضا فلن يشعر بما لديه من نعم.. يُخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له"صحيح الجامع
وبالتأكيد أنا لا أعني أن علينا أن نزهد الدنيا وننطلق جميعاً إلى المسجد لا نفارقه.. إنما علينا الإرتقاء في الطلب.. والترفع عن الجري اللاهث خلف الدنيا ومتعها.. وكلما ملأت قلبك ثقة في الله وطمأنينة أن رزقك لن يذهب لغيرك.. وأن ما تريد لن يأتي إلا في موعد معين.. وأن الله كتب لك الخير في التعجيل بما تريد أو تأخيره عليك أو حرمانك منه.. كلما كان نصيبك من السعادة أكبر ..
اذن.. علينا أن:
· نبذل الجهد لتحقيق طموحنا في هذه الدنيا..
· نتوكل على الله..
· ثم نرضى بكل ما يقسمه الله لنا..
عندها نشعر بحلاوة الرضا.. وتبتهج الدنيا حولنا.. ونرى السعادة في كل صغيرة وكبيرة..
كلام في الرضا..
· وفي الحديث القدسي: "يا ابن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب وقسمت لك رزقك فلا تتعب فإن رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبدنك وكنت عندي محموداً وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية، ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك، وكنت عندي مذموماً"..
· ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه" رواه مسلم..
· يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً (خاوية البطن أي جائعة) وتروح بطاناً (ممتلئة البطن أي شبعانة)"رواه الترمذي..
· ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"رواه البخاري..
· ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"رواه مسلم
· ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك"رواه الترمذي..
· وفي وصية لقمان لابنه: أن تعبد الله ولا تُشرك به شيئاً وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت..
· وفي قول قرأته: سرور الدنيا أن ترضى بما رُزقت.. وغمها أن تغتم بما لم تُرزق..
ما الذي يعطيه لنا الرضا؟؟
· الراضي بما قسمه الله يرضى عنه الله ويحبه ويحبه الناس..
· الرضا يجلب الخير والنعم للإنسان في الدنيا والخير الكثير في الآخرة..
· عندما يدخل الرضا القلب يقل طمع النفس وينحسر ذلك الشعور بالهم والقلق وعدم الاستقرار.. وتجد الرضا يجلب للنفس طمأنينة وبهجة وسعادة وراحة.. ويساعدنا على التمتع بكل نعمة مهما كانت صغيرة..
· والرضا يجعلك غنياً.. غنياً عن الناس عزيزاً فيما بينهم.. حراً من التسلط لا تذل لأحد.. فمن قنع بما قسمه الله صار غني القلب زاهداً فيما في يد غيره..
اريد أن أكون راضيا.. ماذا أفعل؟؟
أريد أن يصبح قلبي مطمئناً.. غنياً.. سعيداً.. وأن يحبني الله.. ويحبني الناس..
أريد أن أحصل على ثواب الدنيا والآخرة..
كيف السبيل الى ذلك؟؟
إليكم بعض أفكار تعين على الرضا:
· احرص على تغذية الجانب الروحي.. فزد من قربك من الله عز وجل.. فكلما زودت قلبك بطاعة الله كلما زادك رضاً.. حتى يكون ما يقدره الله لك أحب إليك مما خططت له وتمنيت..
· ارفع يديك إلى الله بالدعاء واسأله أن يرزقك الرضا.. اسأله بصدق وبكلمات تخرج من قلبك.. وقد كان عُمر بن عبد العزيز كثيراً ما يدعوا: "اللهم ارضني بقضائك.. وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته ولا تأخير شيء عجلته"..
ودعنا نتأمل في دعاء الاستخارة "واختر لي الخير حيث كان ثم رضني به".. وتأمل في دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم "واسألك الرضا بعد القضاء".. فالرضا قبل القضاء هو عزم على الرضا.. أما الرضا بعده فهذا هو الرضا..
· لا تتطلع لما يملكه غيرك وتقارن ما عندك وعندهم.. فربك عادل.. قسم لك ما يُصلحك.. فقد يكون في غنى هذا الإنسان صلاحٌ له وفي فقرة فتنة.. وقد يكون في حرمان هذا من الولد صلاحٌ له ولو رزقه الولد لطغى في الارض.. وقد يكون في ابتلاءك بالمرض صلاح.. وقد يكون تمتعك بالعافية صلاح.. وقد يكون تأخير مسألتك صلاح لك عن لو اعطاها لك الآن.. ضع نصب عينيك قوله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم" البقرة 216..
· لا تترك العمل وكن طموحاً.. ضع أهدافك ورتب رغباتك.. واسع بكل جهد لتحقيقها.. ولا تنس أن تتحدث مع نفسك وتخبرها بأنك: "ستعمل بجد وتسعى بكل جهد وسترضى بما سيقدره الله لك"..
· ابذل جهدك وتخلى عن انتظار النتائج.. لا تترقب النتيجة كما تريدها تماماً.. واعلم أن زيادة في الجهد ليست هي ما سيحقق ما تريد في الوقت الذي تريد.. فـ "ما أصابك لم يكن ليخطئك"..
· كن إيجابياً ومتفائلاً.. وتذكر قول الله عز وجل في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي"..
· اعرف حقيقة الدنيا وضع فرامل لنفسك.. تجنب الحرص الزائد على طلب الدنيا ومتعها ومباهجها الزائلة.. ولتكن الدنيا في يدك لا في قلبك.. · اشكر الله على نعمه.. تأمل في نعم الله مهما كانت صغيرة.. واستمتع بها واشكر الله..
قف أمام البحر واستمتع بالنسيم العليل.. واشكر الله..
تنفس الهواء النقي ودعه يدخل إلى رئتيك بقوة.. واشكر الله..
اشرب الماء واستمتع به فهناك غيرك من يموت عطشاً.. واشكر الله..
استمتع بوجودك بين أهلك وفي منزلك فغيرك قد حرم أهله ودُمر منزله.. ولا تنس أن تشكر الله..
· تحدث مع نفسك وذكرها بالرضا.. ذكرها بنعم الله عليها.. احضر ورقة وقلماً وضعهما بقربك.. وفي كل مرة تستشعر نعمة الله عليك دون ذلك.. ابدأ بصحتك.. بأهلك.. بمنزلك.. وكلما غزا تفكيرك شعور بعدم الرضا تأمل نعم الله عليك..
· انضم لمساعدة المحتاجين.. انضم لعمل الخير ومساعدة من هم في حاجة إليك من محدودي الدخل أوالفقراء أو ذوي الإحتياجات الخاصة.. تأمل حالهم واشكر ربك..
· وأخيراً لا تستغرق في حياتك وتغرق في هموم نفسك فقط.. اهتم بأمر الناس من حولك.. أسرتك.. أصدقائك.. زملاء الدراسة أو العمل.. تابع أخبار العالم من حولك..
في كل هذا بالتأكيد سترى الكثير من النعم التي رزقك الله اياها كنت غافلا عنها..
همسة أخيرة
* الرضا لا يعني ألا تشعر بالألم عند البلاء.. فقد بكى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على وفاة ابنه إبراهيم وقال: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا "..
تألم.. لكن لا يكن لسان حالك "لماذا يا رب فعلت بي هذا؟"..
* الرضا لا يعني أبداً ألا ترفع يديك بالدعاء إلى الله أن يرزقك أو أن يرفع عنك البلاء..
* الرضا لا يعني أن ترضى بذاتك كما هي فلا تستزيد من الطاعات والقرب إلى الله.. ولا تسعى في الدنيا لتحسين وضعك..
الرضا.. كان هذا هو المعنى الذي شغل تفكيري.. ودعاني للاستزادة والبحث والقراءة.. وحقيقة لقد استفدت كثيراً وأردت أن أشارككم الفائدة.. وأتمنى ألا تنسوني من دعائكم أن يوفقني الله لما يحبه ويرضاه..
لينة مصطفى 22-04-2009

1 comment:

  1. 7elw awe ya lina elmakala deh ,,, allahomma enna nass2aloka el redah walkana3ah :)))

    ReplyDelete